القصة بدأت عندما بنى إبن السابعة سيباستيان فيتيل حلمه من تلك السيارة الصغيرة، سيارة الكارتينغ، فاحرز فيها أول لقب له في هذه الرياضة، وكانت عيناه على سائق ألماني آخر حقق أول لقب عالمي في مسيرته في عالم الفورمولا 1 عام 1994، إنه مايكل شوماخر على سيارة بينيتون بسن الـ25 عاماً.
قصة فيتيل مع شوماخر لم تقتصر على الحلم فقط، فهي بدأت فعلياً عندما سلّم اسطورة الفورمولا 1 الألماني شوماخر ذاك الفتى الصغير كأس الفوز باحدى سباقات الكارتينغ، لتبدأ قصة بطلين ألمانيين متشابهين كثيراً في الاداء.
لم يتأخر فيتل كثيراً ليلتحق بالفريق الذي بنى عليه كل طموحاته، فانتقل مطلع العام 2015 الى فيراري، الى قلب مايكل شوماخر، بهدف اعادة الفريق الى منصة التتويج بعد موسم مخيب لم يحقق فيه أي فوز في أي من السباقات، وبعد إعادة هيكلة شاملة خضعت لها أروقة "مارانيللو"، شملت رحيل الرئيس الأعلى لوكا دي مونتيزيمولو، مدير الفريق ستيفانو دومينيكالي وبديله ماركو ماتياتشي والسائق الإسباني فرناندو ألونسو.
والأبرز هو تواجد فيتيل وسط جميع هذه المتغيّرات، تماماً كما كانت عليه الحال مع شوماخر، الذي خطى الخطوة نفسها عام 1996، بعد فوزه بلقب بطولة العالم عامي 1994 و1995 مع فريق بينيتون قبل أن يتخذ قراراً صدم الجميع آنذاك بمغادرة الفريق والإنضمام إلى فيراري، ذاك الفريق العريق الذي غابت عنه الألقاب منذ عام 1979.
سيباستيان فيتل … أصغر بطل للعالم في بطولة سباقات الفورمولا واحد
من ناحيته، كانت بداية فيتل المهنية مع سباقات السيارات في سباق كارت في عام 1995، وفاز حينها بعدة مناسبات مختلفة مثل كأس موناكو كارت للمبتدئين (2001). وفي عام 2003، ارتقى إلى سباقات السيارات أحادية المقعد وفاز في عام 2004 ببطولة الفورمولا بي إم دبليو الألمانية برصيد 18 انتصاراً من 20 سباقا.
انتقل بعد ذلك في عام 2006 إلى سباقات الفورمولا واحد ضمن فريق بي إم دبليو ساوبر كسائق ثالث للفريق. وفي سباق الجائزة الكبرى الأمريكي 2007 حلّ بديلاً لزميله في الفريق السائق روبرت كوبيتسا – الذي كان قد تعرض لحادثة خطيرة خلال السباق السابق في كندا – وتمكن فيتيل خلال السباق من تحقيق المركز الثامن وبالتالي إحرازه لأول نقاطه في الفورمولا واحد.
في موسم 2011 أصبح سيباستيان فيتيل أصغر بطل للعالم يتمكن من المحافظة على لقبه للعام الثاني على التوالي مع الفريق النمساوي ريد بُل، حيث إفتتح الموسم بفوزه بخمس جولاتٍ من أصل ست، ومن ثم حقق ستة إنتصاراتٍ لاحقة وضمن اللقب في اليابان، لينهي موسمه بتحقيق 17 مركزاً على منصة التتويج من أصل 19 سباقاً ويُحقّق رقماً قياسيّاً جديداً كأكثر سائق يحرز مراكزاً على منصة التتويج في موسم واحد.
لم يكن موسم 2012 سهلاً في بدايته، حيث لم يتمكن فيتيل من الفوز إلا بسباقٍ واحدٍ هو سباق البحرين، من بعد ذلك بذل الألماني مع فريقه الكثير من الجهد الذي أثمر في النهاية، حيث تمكن فيتيل من الفوز بأربعة سباقاتٍ متتالية ليستعيد صدارة البطولة من فرناندو ألونسو، ومن ثم يخطف اللقب في صراع مثيرٍ إنتهى بتتويجه بطلاً للعالم بعد أن حلّ سادسًا في سباق البرازيل الأخير.
في طريقه نحو اللّقب في موسم 2013 فاز الألماني بثلاثة سباقاتٍ في أوّل ثمانية سباقات بالرغم من المشاكل التي عانت منها سيارته. تعرّض لانسحابٍ وحيد في بريطانيا، ولكنه تمكن بعدها من العودة بقوة. تمكن من تحقيق الإنتصار على حلبة موطنه في ألمانيا، وتلاها بتحقيقه مركزًا على منصة التتويج في هنغاريا ليتمكن من تحقيق تسعة إنتصاراتٍ متتالية ويبسط هيمنته على الموسم بكامله، ويدخل تاريخ الفورمولا واحد من أوسع أبوابه.
في موسم 2014، عانى فيتيل من مشاكل الموثوقية في السيارة، كما أن الموسم لم يبدأ جيداً بالنسبة له، فقد أُجبر على الإنسحاب من السباق الأسترالي بعد ثلاث لفاتٍ فقط، وكذلك الأمر فقد إنسحب في كل من موناكو والنمسا، ولم يتمكن من احراز أي سباق في هذا العام، ليصبح أول بطلٍ للعالم يفشل في تحقيق أي فوزٍ في موسمه التالي من بعد الكندي جاك فيلنوف.
حصل فيتل على العديد من الألقاب في سجلات الفورمولا واحد، ومعظمها لكونه أصغر سائق يحقق مجموعة من الأولويات في تاريخ السباقات. ومن خلال المشاركة في التجارب الحرة لسباق الجائزة الكبرى التركي 2006 أصبح فيتيل أصغر سائق للفورمولا 1 يشارك في سباقات الجائزة الكبرى.
وفي سن 19 سنة و53 يوماً أصبح أصغر سائق يتمكن من تسجيل نقاط في سباق الجائزة الكبرى، وخلال التجارب التأهيلية لسباق الجائزة الكبرى الإيطالي 2008، أصبح فيتل أصغر سائق في تاريخ الفورمولا 1 يتمكن من ضمان مركز الانطلاق للسباق الرئيسي، ومن بعدها تمكن بالفوز في السباق، مما جعل منه أصغر فائز بسباق الجائزة الكبرى في الفورمولا واحد.
تاريخ مايكل شوماخر
في عام 1991، انضم شوماخر إلى فريق جوردن، ثم انتقل بعدها إلى فرق بينتون، وحاز معه عام 1994 على بطولة العالم للفورمولا 1. وفي عام 1996، انتقل إلى فريق فيراري الإيطالي، لكن السائق الألماني تعرض بعد ثلاثة أعوام، أي في عام 1999، لحادث في حلبة سلفرستون أبعده طويلا عن السباقات.
فازت فيراري، عام 2000 للمرة الأولى منذ 21 عاماً وللمرة الثالثة بالنسبة لشوماخر، ببطولة العالم للفورمولا 1، وسيطرت معه على البطولة حتى عام 2004. في عام 2005 لم يستطع شوماخر أو البارون الأحمر كما يلقبه محبوه، الفوز ببطولة العالم، بعد أن فاز بها سائق رينو الفرنسية، الإسباني فرناندوا ألونسو والذي أصبح أصغر بطل للعالم.
عام 2006 أعلن شوماخر اعتزاله سباقات السيارات على حلبة مونزا الإيطالية، وفي شهر كانون الأول 2009 شهد توقيعه لفريق مرسيدس غران بري ليكون شهر مارس 2010 تاريخ عودته إلى رياضته المفضلة.
ومنذ عودته الى الفورمولا 1 من جديد، لم يتمكن شوماخر من الصعود إلى المنصة مع فريق مرسيدس لموسمين على التوالي (2010 و2011) ولكنه أعلن قبيل إنطلاق الموسم الجديد من بطولة العالم لسباقات الفورمولا1 2012 بأنّ السيارة الجديدة ستكون قادرة على الصعود على المنصة أو تتويج بلقب الجائزة الكبرى.
أبواب فيراري تفتح لسائق ألماني من جديد
لم تتأخر فيراري بفتح أبوابها من جديد لسائق عبقري قادر على اعادة الفريق الايطالي الى ما كان عليه منذ 10 سنوات، وكان من الواضح أن التغيير أمر لا مفر منه في مارانيللو، ليعلن بعدها الفريق رحيل ألونسو، المعروف بطباعه الديكتاتورية، عن صفوفه. وكانت الطريق تُفتح أمام فيتل، الفتى الذهبي الذي لطالما كان على رادار فيراري، بعد تأزم العلاقة بين ألونسو والقلعة الحمراء في الفترة الصيفية من موسم 2014.
ولعب مستوى فيتيل المتواضع في موسم 2014 دوراً أساسياً في انتقاله إلى فيراري، ولم تعارض ريد بُول تركه للفريق بعد ابلاغه رئيس الفريق كريستيان هورنر بقراره، وسرعان ما تم الإعلان عن اسم البديل، الروسي دانيل كفيات، بعد أقل من 12 ساعة.
لم يكن حينها الإتفاق قد أُبرم بعد، وفكّر فيتيل بالرحيل عن الفورمولا 1 كلياً، لكن بعد سلسلة من الأحاديث مع الإدارة الجديدة لفيراري، سيرجيو ماركيوني (الرئيس الأعلى لفيراري) وماوريزيو أريفابيني (رئيس فريق الفورمولا 1)، إضافة إلى حديثٍ مع مديرة أعمال شوماخر سابين كيهم، أُبرم العقد.
بالتأكيد كان لشوماخر تأثيراً كبيراً في مسيرة فيتيل منذ بدايته في سباقات الكارتينغ، وكان هدفه أن يكون مثل مايكل: أن يحقق نجاحاته وأن يسيطر مثله، وكيف لا والفريق الذي اراد التعاقد معه هو فيراري الذي لم يغب عن أي من مواسم بطولة العالم للفورمولا 1، فاز بـ 16 لقب عالمي للصانعين و15 للسائقين، شارك بـ 890 جائزة كبرى فاز بـ 222 منها.
ولطالما كانت فيراري حلم فيتيل، الذي كشف أن أول اتصال حصل بينهما كان عام 2008 حول مستقبلهما سويةً، وأنه خاض مفاوضات سرية بعد انتهاء موسم 2012 في مارانيللو. ولم يستطع فيتل التحدث إلى بطله عن انتقاله هذا، بما أن الأخير تعرّض لإصابة في الرأس إثر حادث تزلّج أواخر عام 2013، أمضى بعدها شوماخر أشهر عديدة في الغيبوبة قبل عودته إلى منزله حيث يخضع لإعادة تأهيل. لكنه علم سابقاً برغبة فيتيل بالإنضمام إلى السكوديريا، وما يؤكد ذلك قول فيتيل: "لسوء الحظ لم أتمكن من التكلم إلى مايكل. وأبلغته منذ فترة بالعرض الذي قدّمه دومينيكالي، وقال لي إن وافقت، سأجد محيطاً رائعاً والكثير من الدعم في مارانيللو".
فيتل وجد ضالته في الفريق الألماني، وهو مدعوماً تماماً من الجمهور، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته احدى المؤسسات، أن الجماهير الألمانية تفضل السائق الألماني سباستيان فيتيل على المعتزل مايكل شوماخر.
تغيّرت الأجواء في فيراري بشكل جذري، ويُقال إنه في المرة الأولى التي جلس في مقصورة السيارة في التجارب الشتوية الأولى في خيريز حظي بتصفيق حار من طاقم الفريق. حتى أنه بدأ تعلّم الإيطالية ما يساعده في سهولة التواصل مع المهندسين (وسمع الجميع صراخه بعد عبور خط النهاية في سباق ماليزيا يقول "فورزا فيراري"). ومن الواضح أنهم يرون فيه مستقبل هذا الفريق وبطل يعيد الأمجاد للسكوديريا.
تشابه كبير بين شوماخر وفيتل
وقد يكون الشعور بتواجد شوماخر في الفريق أكبر بكثير مما كان عليه عند اعتزاله الأول عام 2006، بسبب التشابه الكبير بين مايكل وسيباستيان. وفي حديث له مع الصحافة الإيطالية شرح رئيس الفريق ماوريزيو أريفابيني، الذي عمل طويلاً مع راعي الفريق الرسمي فيليب موريس (مارلبورو)، كيف يرى هذا التشابه بوجهة نظره، وقال: "كنت قريباً من الفريق أيام مايكل، وأُجزم أن هناك بعض الأوقات التي أنظر فيها إلى فيتيل، وفي بعض النواحي، يبدو أنه نسخة طبق الأصل (نسخة كربونية) عن شومي”.
وأضاف: "التشابه كبير جداً لمن عرف كلاهما. ونأمل جميعاً أن تكون النتائج نفسها أيضاً".
تحولت أحلام سائق "فيراري" سيبستيان فيتيل إلى حقيقة، بعد أن حقق الفوز الأول في الموسم على حلبة "سيبانغ" الماليزية، وظهر فيتيل خلال حفل التتويج سعيد جداً وعاطفياً إلى حد كبير وكأنه فاز بلقب العالم، وأشاد بأن السائق الألماني مايكل شوماخر كان الدافع المعنوي الذي منحه الثقة والقوة من أجل تحقيق الفوز في السباق وتخطي كل العقبات، معتبراً أن الحلم أصبح حقيقة، حيثُ أشار فيتيل أنه آخر مرة كان على هذه الحلبة عندما كان صغيراً في السن، وكان أنذاك مثله الأعلى شوماخر سائقاً في السباق، أما اليوم فهو يقود تلك السيارة الحمراء التي كان يقودها بطل ورمز من رموز "فيراري".
طموح فيتل لن يقف هنا بكل تأكيد، فبعد أن منح فيراري الفوز الأول منذ مايو 2013 في اسبانيا، و222 في مسيرة الفريق الإيطالي منها 75 حققها مواطنه ميكايل شوماخر، ويبدو أنه سيسير على خطى الأخير، برفع إسم الفريق الإيطالي عالياً من جديد، والسباقات المقبلة ستكون كافية على إثبات هذا الأمر.